responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 78
فَإِنَّ الدِّينَ لِي وَحْدِي خَالِصًا، وَيْلٌ لِمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ وَيْلٌ لَهُ. وَأَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُثِّلَتْ لِي أُمَّتِي فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ، وَعُلِّمْتُ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا كَمَا عُلِّمَ آدَمُ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا» .
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ قَالَ: أَسْمَاءَ ذُرِّيَّتِهِ أَجْمَعِينَ ثُمَّ عَرَضَهُمْ قَالَ: أَخَذَهُمْ مِنْ ظَهْرِهِ. وَأَخْرَجَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: أَسْمَاءَ الْمَلَائِكَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ: هِيَ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ الَّتِي يَتَعَارَفُ بِهَا النَّاسُ ثُمَّ عَرَضَهُمْ يَعْنِي عَرَضَ أَسْمَاءَ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي عَلَّمَهَا آدَمَ مِنْ أَصْنَافِ الْخَلْقِ. فَقالَ: أَنْبِئُونِي يَقُولُ: أَخْبِرُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي لَمْ أَجْعَلْ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا: سُبْحانَكَ تَنْزِيهًا لِلَّهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ يَعْلَمُ الْغَيْبَ أَحَدٌ غَيْرُهُ، تُبْنَا إِلَيْكَ لَا عِلْمَ لَنا تبرؤوا مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ إِلَّا مَا عَلَّمْتَنا كَمَا عَلَّمْتَ آدَمَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: عَرَضَ أَصْحَابَ الْأَسْمَاءِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ:
الْعَلِيمُ: الَّذِي قَدْ كَمَلَ فِي عِلْمِهِ، وَالْحَكِيمُ الَّذِي قَدْ كَمَلَ فِي حُكْمِهِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَنَاسٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي قَوْلِهِ: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أَنَّ بَنِي آدَمَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَيَسْفِكُونَ الدِّمَاءَ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ قَالَ: قَوْلُهُمْ: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ يَعْنِي: مَا أَسَرَّ إِبْلِيسُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْكِبْرِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَا تُبْدُونَ مَا تُظْهِرُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ يَقُولُ: أَعْلَمُ السِّرَّ كَمَا أَعْلَمُ الْعَلَانِيَةَ.

[سورة البقرة [2] : آية 34]
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (34)
إِذْ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَاذْكُرْ إِذْ قُلْنَا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِذْ زَائِدَةٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْمَلَائِكَةِ وَآدَمَ. السُّجُودُ مَعْنَاهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: التَّذَلُّلُ وَالْخُضُوعُ. وَغَايَتُهُ وَضْعُ الْوَجْهِ عَلَى الْأَرْضِ.
قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: سَجَدَ إِذَا تَطَامَنَ، وَكُلُّ مَا سَجَدَ فَقَدْ ذَلَّ، وَالْإِسْجَادُ: إِدَامَةُ النَّظَرِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: وَسَجَدَ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ فَضِيلَةٌ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَظِيمَةٌ حَيْثُ أَسْجَدَ اللَّهُ لَهُ مَلَائِكَتَهُ. وَقِيلَ: إِنَّ السُّجُودَ كَانَ لِلَّهِ وَلَمْ يَكُنْ لِآدَمَ، وَإِنَّمَا كَانُوا مُسْتَقْبِلِينَ لَهُ عِنْدَ السُّجُودِ، وَلَا مُلْجِئَ لِهَذَا فَإِنَّ السُّجُودَ لِلْبَشَرِ قَدْ يَكُونُ جَائِزًا فِي بَعْضِ الشَّرَائِعِ بِحَسَبِ مَا تَقْتَضِيهِ الْمَصَالِحُ. وَقَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ السُّجُودَ لِآدَمَ وَكَذَلِكَ الْآيَةُ الْأُخْرَى أَعْنِي قَوْلَهُ: فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ [1] وَقَالَ تَعَالَى: وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً [2] فَلَا يَسْتَلْزِمُ تَحْرِيمُهُ لِغَيْرِ اللَّهِ فِي شَرِيعَةِ نبينا محمد صلّى الله عليه وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِي سَائِرِ الشَّرَائِعِ. وَمَعْنَى السُّجُودِ هُنَا: هُوَ وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ قَوْمٌ:
هُوَ مُجَرَّدُ التَّذَلُّلِ وَالِانْقِيَادِ. وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ هَلْ كَانَ السُّجُودُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِآدَمَ قَبْلَ تَعْلِيمِهِ الْأَسْمَاءَ أَمْ بَعْدَهُ؟
وَقَدْ أَطَالَ الْبَحْثَ فِي ذَلِكَ الْبِقَاعِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ. وَظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنَّهُ وَقَعَ التَّعْلِيمُ وَتَعَقَّبَهُ الْأَمْرُ بِالسُّجُودِ، وَتَعَقَّبَهُ إِسْكَانُهُ الْجَنَّةَ ثُمَّ إِخْرَاجُهُ مِنْهَا وَإِسْكَانُهُ الْأَرْضَ. وَقَوْلُهُ: إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ لِأَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ. وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَبَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ: كانَ مِنَ الْجِنِّ الذين كانوا في الأرض.

[1] الحجر: 29. [.....]
[2] يوسف: 100.
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 78
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست